Translate

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 19 يناير 2023

كثرة المال /تطاول العرب في البنيان / ووعود كثيرة في مقان النبوءات النبوية اطلع عليها

من النبوءات المحمدية


1.فتح القسطنطينية 

 2.وقتال الترك

 
1.فتح القسطنطينية:
فعن عبدِالله بن عمرو بن العاص قال: بينما نحن حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نكتب، إذ سُئلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ المَدينتَينِ تُفتَح أولاً: قسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مدينة هرقل تُفتَح أولاً))؛ يعني: قسطنطينية[1].
وقد انتظر المسلمون أكثر مِن ثمانية قرون حتى تحقَّقت تلك النبوءة النبوية بفتح القسطنطينية، ففي يوم الثلاثاء الموافق للعشرين من شوال 805 هـ استطاع المسلمون الانتصار على البيزنطيين بقيادة إمبراطورهم قسطنطين؛ ليُسقِطوا إمبراطوريتهم التي عاشت أكثر من ألف عام؛ ليُحقِّقوا بذلك نبوءة النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم.
قتال الترك:
فقد أخبر النبي الكريم محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - أن من أشراط الساعة الصغرى وقوع القتال بين المسلمين والترك، ثم حدَّد النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - بدقة صفاتهم كأنك تراهم رأي العين.
فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تُقاتِلون بين يدي الساعة قومًا نعالهم الشعر، كأن وجوههم المَجَانُّ المُطْرَقَة، حمر الوجوه، صغار الأعين))[2].
وفي لفظ: ((إن من أشراط الساعة أن تُقاتِلوا قومًا يَنتعِلون نعال الشعر، وإن من أشراط الساعة أن تُقاتِلوا قومًا عراض الوجوه كأن وجوههم المجان المطرقة))[3].
وفي لفظ آخَر: ((لا تقوم الساعة حتى تُقاتِلوا الترك، صغار الأعين، حمر الوجوه، ذُلْف الأنوف، كأن وجوهَهم المجانُّ المطرقة))[4].
فقد حدَّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفات هؤلاء الترك، فقال: إنهم ينتعلون نعال الشعر، وأنهم صغار الأعين، وحمر الوجوه، وذلف الأنوف، وعراض الوجوه، كأن وجوههم المجان المطرقة، والمقصود بالمجان أي التُّروس أو الدروع، قال البيضاوي: "شبَّه وجوهَهم بالترسة؛ لبسطها وتدويرها، وبالمطرقة؛ لغلظها وكثرة لحمها"[5].
وفي القرن السابع الهجري عاصر الإمام النووي المتوفى سنة 676هـ قتال المسلمين للترك، وكان شاهد عيان على تحقُّق نبوءة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأكثر من ستة قرون، وقد سطَّر شهادته في ذلك قائلاً: "وهذه كلها معجزات لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد وجد قتال هؤلاء الترك بجميع صفاتهم التي ذكرها - صلى الله عليه وسلم - صغار الأعين، حمر الوجوه، ذلف الآنُف، عراض الوجوه، كأن وجوههم المجان المطرقة، ينتعلون الشعر، فوجدوا بهذه الصفات كلها في زماننا، وقاتلهم المسلمون مرات، وقتالهم الآن، ونسأل الله الكريم إحسان العاقبة للمسلمين في أمرهم وأمر غيرهم، وسائر أحوالهم، وإدامة اللطف بهم، والحماية، وصلى الله على رسوله الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى"[6].
[1] أخرجه أحمد (6358)، والدارمي (486)، وقال الهيثمي في المجمع (6: 222): رجاله رجال الصحيح غير أبي قبيل، وهو ثقة، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، كما صحَّحه أحمد شاكر والألباني، انظر: السلسلة الصحيحة (4).
[2] البخاري (2711)، ومسلم (5181) وهذا لفظه.
[3] البخاري (2710).
[4] البخاري (2711).
[5] فتح الباري (10: 393).
[6] شرح النووي على صحيح مسلم (9: 259).
=========
من النبوءات المحمدية
كثرة المال وتطاول العرب في البنيان
كثرة المال واستفاضته:
تنبّأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنه سيأتي زمان يَكثُر فيه المال ويَفيض؛ حتى لا يكون هناك فقراء، ولا يجد الأغنياءُ من يقبل صدقاتِهم.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال فيَفيض؛ حتى يُهِمَّ ربَّ المال مَن يَقبَلُ صدَقَتَه، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرَبَ لي))[1].
وقد تحقَّقت هذه النبوة عدة مرات، ومن ذلك ما ذكره المؤرِّخون مما وقع في زمان الخليفة عمر بن عبدِالعزيز من كثرة المال واستفاضته حتى اغتنى الناس جميعًا.
فعن عمر بن أسيل بن عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب قال: "لا والله ما مات عمر بن عبدالعزيز حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون من الفقراء، فما يَبرح حتى يرجع بماله، يتذكَّر من يضعه فيهم فلا يجده، فيرجع بماله"[2].
تطاول العرب في البنيان:
تنبَّأ النبي الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- أن العرب البدو الذين كانوا يعيشون في زمانه حياةً بدائية، سيأتي عليهم زمان يتطاوَلون فيه في البُنيان.
فقد ذكَرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن من علامات الساعة ((أن ترى الحُفاةَ العُراةَ العالة رعاء الشاء، يتطاوَلون في البنيان))[3].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا رأيتَ الأَمَة ولدتْ ربَّتها أو ربَّها، ورأيت أصحاب الشاء يتطاولون بالبنيان، ورأيتَ الحفاة الجياع العالة كانوا رؤوس الناس، فذلك من معالم الساعة وأشراطها)).
قيل: يا رسول الله، ومن أصحاب الشاء والحفاة الجياع العالة؟ قال: ((العرب))[4].
وقد رأينا هذه النبوءة متحقِّقة في زماننا هذا؛ حيث امتلأت بلاد العرب بالبنايات العالية المرتفعة، حتى إن أعلى بناية في العالم الآن - وهو برج خليفة - يقع في إحدى الدول العربية.
فبرج خليفة هو ناطحة سحاب تقع في إمارة دُبي بالإمارات العربية المتحدة، ويعدُّ هذا البرج أعلى بناءٍ شيَّده الإنسان، وأطول برج في العالم؛ حيث يبلغ ارتفاعه 828 مترًا، وقد تمَّ افتتاحه رسميًّا في 4 يناير 2010م؛ ليصبح البناء الأعلى في العالم حاليًّا.
[1] البخاري (3340)، ومسلم (5142).
[2] تاريخ الإسلام؛ للذهبي (2: 330)، والتاريخ والمعرفة؛ للفسوي (1: 141)، وتاريخ الخلفاء؛ للسيوطي (1: 201)، ومختصر تاريخ دمشق (6: 80).
[3] البخاري (48)، ومسلم (9).
[4] أحمد (2775) وصحح أحمد شاكر إسناده، وقال الألباني في الصحيحة (3: 332): "وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد".
==========
من وعود النبي صلى الله عليه وسلم[1]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وأصحابه، وأشياعه وأحبابه.
وبعد:
إنَّ من أهم آثار مبعثه صلى الله عليه وسلم: إثارة الانبعاث النفسي للمؤمنين من العرب وغيرهم لينطلقوا في الأرض فينشروا كلمة الله، ويوصلوا النور إلى الأمم الغارقة في الظلمات والجهالات.
وقد كان هذا الانبعاثُ - الذي أخرج العرب من جزيرتهم وعزلتهم والاشتغال بأنفسهم - قائماً على البشارات والوعود النبوية التي حضّتهم وطمأنتهم ورسمت لهم الأهدافَ المطلوبة.
لقد أقام المسلمون دولةً لا تغيب عنها الشمس، ولا تأبه للسحابة أيْن أمطرت، وفاء الناسُ إلى ظلها آمنين متمتعين بعدلٍ يساوي بين الكبير والصغير في الحقوق، وبدينٍ يعطي للروح والنفس ما يبغيان.
إنَّ الوعود النبوية قضيةٌ يجبُ الوقوف عندها طويلاً، فهي عجيبةٌ في توقيتها إذ بدأ النبي بإعلانها وهو في مكة، وفي وسط قريش التي حاربته دون هوادة، تريدُ القضاء عليه وعلى دعوته، وأعلن بعضَها وهو في الخندق، والخصومُ يكادون يُطبقون عليه.
وهي عجيبةٌ في التركيز على مُدُنٍ تُعَدُّ معاقلَ الأعداء، وبذلك لفتت أنظارَ المسلمين إلى مكامن الخطر.
وممّا يُؤسف عليه ألاّ تظهرَ حتى الآن دراسةٌ موعبة تتناول هذه الوعود، وتحقِّق في أسانيدها ومتونها، وتحقيقها زماناً ومكاناً، وتشرح كيف تعامل الصحابة والتابعون ومَنْ بعدهم معها، وتستقصي الوعودَ التي لم تتحقق بعدُ ليجعلها المسلمون نصب أعينهم في حاضرهم ومستقبلهم.
إنَّ وعود بني الإسلام حددتْ خطط المستقبل لهذا الدين، والتخطيطُ للمستقبل شيءٌ في غاية الأهمية لأمةٍ تريد البقاء، ومن العجب أن يُقابِلَ هذا إعراضٌ في غاية الوضوح عن الاهتمام به، ودرسِ معالجته وتحديده.
وأنا هنا سأتناول بعضَ هذه الوعود، راجياً أن تكون هذه الرسالة لبنةً في هذا البناء، ولعلي أعود إليه مرة أخرى. وستكون في:
تمهيد: في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أمتَه بمستقبلها، وهي تبيِّن لنا واسع علمه الموهوب صلى الله عليه وسلم.
ثم أتناول ذكر بعض الوعود بإيجاز.
ثم خاتمة في تحقُّق هذه الوعود.
التمهيد:
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: لقد خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم خطبةً ما ترك فيها شيئاً إلى قيام الساعة إلاّ ذكره، علمه مَن علمه، وجهله من جهله، إنْ كنتُ لأرى الشيء قد نسيتُه، فأعرفه كما يعرف الرجلُ الرجلَ إذا غاب عنه فرآه فعرفه. رواه الشيخان واللفظ للبخاري.
وعنه قال: لقد حدَّثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يكون حتى تقوم الساعة... رواه مسلم.
وعن طارق بن شهاب قال: سمعت عمر رضي الله عنه يقول: قام فينا النبيُّ صلى الله عليه وسلم مقاماً، فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهلُ الجنة منازلَهم، وأهلُ النار منازلَهم، حفظ ذلك مَنْ حفظه، ونسيه مَنْ نسيه. رواه البخاري.
قال الحافظُ ابن حجر: "أي أخبرنا عن مبتدأ الخلق شيئاً بعد شيء إلى أن انتهى الإخبارُ عن حال الاستقرار في الجنة والنار، وَوَضَعَ الماضي موضعَ المضارع مبالغةً للتحقُّق المستفاد من خبر الصادق، وكان السياقُ يقتضي أن يقول: حتى يدخل.
ودلَّ ذلك على أنه أخبر في المجلس الواحد بجميع أحوال المخلوقات منذ ابتدئت إلى أن تفنى إلى أن تُبعث، فشمل ذلك الإخبارَ عن المبدأ والمعاش والمعاد، وفي تيسير إيراد ذلك كله في مجلسٍ واحد من خوارق العادة أمرٌ عظيم، ويقرّب ذلك مع كون معجزاته لا مريةَ في كثرتها أنه صلى الله عليه وسلم أُعطي جوامع الكلم".
ومن حديث أبي زيد الأنصاري قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح فصعِدَ المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر، ثم نزل فصلى بنا الظهر، ثم صعِد المنبر فخطبنا ثم صلى العصر كذلك، حتى غابت الشمس، فحدثنا بما كان، وما هو كائن، فأعلمُنا أحفظُنا". رواه أحمد ومسلم واللفظ لأحمد.
وعن أبي ذر قال: لقد تركنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وما يقلِّب طائرٌ جناحيه في السماء إلاّ ذكرنا منه علماً. أخرجه أحمد وابن سعد والطبراني.
وعن المغيرة بن شعبة قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً فأخبرنا بما يكون في أمته إلى يوم القيامة، وعاه مَنْ وعاه، ونسيه مَنْ نسيه. أخرجه أحمد والبخاري في "تاريخه" والطبراني.
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله قد رفع لي الدنيا فأنا أنظر إليها وإلى ما هو كائن فيها إلى يوم القيامة، كأنما أنظرُ إلى كفي هذه، جلياناً[2] جلاه اللهُ لنبيه كما جلاهُ للنبيين من قبله. أخرجه الطبراني.
جولة في الوعود:
لقد وعد النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه وعوداً كثيرة، فمِنْ ذلك فتح اليمن والشام التي يُسيطِرُ عليها الروم، وفتح العراقِ التي يسيطِرُ عليها الفرس، وهلاك كسرى وقيصر، وإنفاق كنوزهما في سبيل الله، وفتح مصر. ووعد بقتال خوز وكرمان، والترك، وفتح الهند والقسطنطينية، ووعد بركوب البحر وحثَّ عليه، وأنَّ الدين سيجاوز البحار، وسينتشرُ الرخاءُ ويفيضُ المال، ويعمُّ الأمن.
أولاً: فتح الشام والعراق واليمن:
عن البراء بن عازب قال: لما كان حين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق عرضتْ لنا في بعض الخندق صخرةٌ لا تأخذ فيها المعاول، فاشتكينا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء فأخذ المعول فقال: بسم الله، فضرب ضربة فكسر ثلثها وقال: الله أكبر أُعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصرُ قصورها الحمر الساعة.
ثم ضرب الثانية فقطع الثلث الآخر فقال: الله أكبر أُعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصرَ المدائن أبيض.
ثم ضرب الثالثة وقال: بسم الله، فقطع بقية الحجر فقال: الله أكبر أُعطيتُ مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة. رواه أحمد والنسائي بإسناد حسن.
وأخرج الشيخان عن سفيان بن أبي زهير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تفتح اليمن فيأتي قوم يُبسون فيتحملون بأهليهم ومَنْ أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون.
ثم تفتح الشام فيأتي قوم يُبسون فيتحملون بأهليهم ومَنْ أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون.
ثم تفتح العراق فيأتي قوم فيتحملون بأهليهم ومَنْ أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون.
وأخرج أبو داود والنسائي والدار قطني عن عائشة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل العراق ذات عرق.
ومما عيَّنه رسولُ الله من مُدُن العراق الحيرة:
فقد أخرج البخاري في تاريخه والطبراني والبيهقي وأبو نعيم عن خريم بن أوس قال: هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفَهُ من تبوك فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: هذه الحيرة البيضاء قد رُفعت لي وهذه الشيماء بنت بقيلة الأزدية على بغلة شهباء معتجرةً بخمار أسود.
فقلت: يا رسول الله إنْ نحن دخلنا الحيرة فوجدتها كما تصف فهي لي؟
قال: هي لك.
فلما كان زمن أبي بكر وفرغنا من مسيلِمة أقبلنا إلى الحيرة فأول مَنْ تلقانا حين دخلناها الشيماء بنت بقيلة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة شهباء معتجرةً بخمار أسود، فتعلقتُ بها وقلت: هذه وهبها لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاني خالد بن الوليد عليها بالبينة فأتيتُه بها، وكانت البيِّنة محمد بن مسلمة، ومحمد بن بشر الأنصاريين، فسلمها إليَّ، فنزل إلينا أخوها يريد الصلحَ فقال: بعنيها. قلت: لا أنقصها والله مِنْ عشر مئة درهم، فأعطاني ألف درهم. فقيل لي: لو قلت: مئة ألف لدفعها إليك، فقلت: ما كنت أحسبُ أن عدداً أكثر من عشر مئة.
وعيَّنَ من الشامِ بيتَ المقدس:
فقد أخرج البخاري عن عوف بن مالك الأشجعي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك - وهو في قبة من أدم - فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعددْ ستاً بين يدي الساعة: موتي ثم فتح بيت المقدس....
ثانياً: ووعد بزوال ملك كسرى وقيصر:
فقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله.
وهنا لابُدَّ من وقفةٍ، فربما أشكل هذا الحديث وقال قائلٌ: فقد ملك بعد كسرى وقيصر جماعةٌ سُمُّوا بهذا الاسم، فإنَّ كلَ ملكٍ كان لفارسٍ يسمّى كسرى، وكل ملكٍ كان للروم يسمّى قيصر؟
وثمة عن هذا أجوبة:
1- أن المراد لا يبقى كسرى بالعراق ولا قيصر بالشام، وهذا منقول عن الشافعي قال: "وسببُ الحديث أن قريشاً كانوا يأتون الشام والعراق تجاراً، فلما أسلموا خافوا انقطاع سفرهم إليهما لدخولهم في الإسلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لهم تطييباً لقلوبهم، وتبشيراً لهم بأنَّ ملكهما سيزول عن الإقليمين المذكورين".
وبعبارة أخرى: أي أنَّ ملكهما سينقطع، وليس المقصود عين الموجودين حين مقالة النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
2- وقال الخطابي: "معناه فلا قيصر بعده يملك مثل ما يملك، وذلك أنه كان بالشام وبها بيت المقدس الذي لا يتم للنصارى نُسُكٌ إلاّ به، ولا يملك على الروم أحد إلا كان قد دخله إمّا سراً وإمّا جهراً، فانجلى عنها قيصر، واستفتحت خزائنه، ولم يخلفه أحد من القياصرة في تلك البلاد بعده".
3- وقال ابن الجوزي: "الجواب: أنه ما ملك مَنْ كان لملكه طائلٌ ولا ثبوت، ومازال ملكهم متزلزلاً حتى انمحق".
4- وقال الذهبي: "أما كسرى وقيصر الموجودان عند مقالته صلى الله عليه وسلم فإنهما هلكا، ولم يكن بعد كسرى كسرى آخر، وأنفق كنوزهما في سبيل الله بأمر عمر رضي الله عنه، وبقى للقياصرة ملك بالروم وقسطنطينية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ثبت ملكه" حين أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يقضي الله تعالى فتح القسطنطينية، ولم يبق للأكاسرة مُلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "مزَّق اللهُ ملكه" حين مزَّق كتاب النبي صلى الله عليه وسلم".
5- ويرى ابن كثير أنَّ قيصر علم جنس عند العرب يُطلق على كل مَنْ ملك الشام مع بلاد الروم.
أي فمن لم يجمع بينهما فليس بقيصر عند العرب.
وأما عن كسرى فقد حمَلَ الحديث على يزدجر. وظاهرُ كلامهِ أنه هو الذي دعا عليه النبيُّ أن يمزق اللهُ ملكه.
هذه هي الأجوبة، والثلاثة الأولى معقولة، وكذلك الآخران فيما يتعلق بقيصر، وأما كلام الذهبي وابن كثير عن كسرى فلا يسلَّم، فقد خلف كسرى الموجودَ أيام النبي آخرون، وأما يزدجر فلم يكن قد ملك أيام النبي، وليس هو المقصود بدعوة النبي، إنما ذاك أبرويز بن هرمز هذا، ويقول الحافظُ ابن حجر: "وعلى كل تقدير فالمراد من الحديث وقع لا محالة لأنهما لم تبق مملكتهما على الوجه الذي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم...".
وأنا أفهم الحديث حسب التقدير الآتي:
إذا هلك كسرى الموعودون أنتم بمحاربته فلا كسرى بعده مطلقاً، وإذا هلك قيصر الذي ستحاربونه فلا قيصر بعده في الشام إلى حين فتح القسطنطينية.
ثالثاً: الوعد بفتح مصر:
أخرج مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم ستفتحون أرضاً يُذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيراً فإنّ لهم ذمةً ورحماً".
وأخرج البيهقي وأبو نعيم عن كعب بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيراً فإنّ لهم ذمة ورحماً". يعني أنَّ أم إسماعيل "هاجر" كانت منهم، ومارية أم إبراهيم قبطية.
رابعاً: الوعد بقتال خوز وكرمان وقوم نعالهم الشعر والترك:
أخرج البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزاً وكرمان من الأعاجم. حمر الوجوه، فطس الأنوف، صغار الأعين، كأنّ وجوههم المجان المطرقة، نعالهم الشعر".
قال ابن حجر: "أما خوز فمن بلاد الأهواز وهي من عراق العجم، وقيل: الخوز صنف من الأعاجم، وأما كرمان فبلدة مشهورة من بلاد العجم أيضاً، بين خراسان وبحر الهند".
وفي حديث آخر يرويه البخاري عن عمرو بن تغلب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "إنَّ من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوماً ينتعلون الشعر...".
قال ابن حجر: "وقد وقع للإسماعيلي من طريق محمد بن عباد قال: بلغني أن أصحاب بَابَك كانت نعالهم الشعر".
ثم قال: بابك الخرّمي.. كان من طائفة الزنادقة استباحوا المحرمات، وقامتْ لهم شوكة كثيرة في أيام المأمون، وغلبوا على كثير من بلاد العجم كطبرستان والري، إلى أن قُتل بابك المذكور في أيام المعتصم، وكان خروجه في سنة إحدى ومئتين أو قبلها، وقتله في سنة اثنتين وعشرين".
وأما قتال الترك فقد رواه البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك، صغار الأعين، حمر الوجوه، ذلف الأنوف، كأن وجوههم المجان المطرقة...". ويلاحظ أن ثمة شبهاً في وصف الترك وأهل خوز وكرمان.
خامساً: الوعد بغزو الهند:
عن أبي هريرة قال: "وعدنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم غزوة الهند، فإنْ أدركتها أنفق فيها مالي ونفسي، فإن استشهدت كنت من أفضل الشهداء، وإنْ رجعت فأنا أبو هريرة المحرر". رواه النسائي وأحمد.
سادساً: الوعد بفتح القسطنطينية:
روى الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش".
وقد أثار هذا حماسَ المسلمين لنيل شرف هذا الفتح، وتعددتْ محاولات فتحها:
فقاد الحملةَ الأولى معاويةُ بن أبي سفيان في عهد عثمان.
ثم في خلافته جهز جيشاً قوياً بقيادة سفيان بن عوف، وأعاد حصارها سنة (50) إلا أنه لم يستطع فتحها.
وبقيت حصينةً ممتنعة حتى عهد الخليفة سليمان بن عبد الملك الذي حشد القوات المناسبة واعتد لها (1800) سفينة تنقل (120) ألف محارب جاهز للإنزال، وأسلمَ قيادةَ هذه القوات إلى أخيه مسلمة.
وفي هذا يقول الذهبي: "لقد كان الخليفة من بني أمية لو شاء أن يبعثَ بعوثه إلى أقصى الصين لفعل، لكثرة الجيوش والأموال، فهذا سليمان لمّا ولي قد أغزى جيوشَه في البر والبحر إلى مدينة القسطنطينية، وحاصروها نحواً من عشرين شهراً، ووقع للمسلمين غلاءٌ وجوعٌ لبُعد الديار، ولكن بلغنا أنه كان في منزلة العسكر عرمة حنطة كالجبل العالي ذخيرةً للجند، وغيظاً للروم فلما استخلف عمر بن عبد العزيز أذن للجيش في الترحل عنها، وصالح أهلها وخضعوا لها".
ثم كانت محاولة الخليفة المهدي العباسي، ثم المعتصم، ثم الخليفة مراد العثماني، إلى أن تمّ الفتح على يد السلطان محمد خان الذي دُعِيَ بالفاتح من ذلك اليوم.
ولنا أن نتصور فرحة المسلمين وهم يرون معجزة تتحققُ أمامَهم.
سابعاً: الوعد بركوب البحر والحثُّ عليه:
روى البخاري عن أنس بن مالك قال: كان رسولُ الله يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمته وجعلت تفلي رأسه، فنام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك قالت: فقلتُ: وما يُضحكك يا رسولَ الله؟ قال: ناسٌ من أمتي عرضوا عليّ غزاةً في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر ملوكاً على الأسرة -أو مثل الملوك على الأسرة، شك إسحاق - (أي أحد الرواة).
قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. ثم وضع رأسه، ثم استيقظ وهو يضحك. فقلتُ: وما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتي عُرضوا علي غزاةً في سبيل الله - كما قال في الأول - قالت: فقلتُ: يا رسولَ الله، ادعُ الله أن يجعلني منهم، قال: أنت من الأولين، فركبتِ البحر في زمن معاوية بن أبي سفيان فصُرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت.
وثم رواية أخرى أخرجها البخاري عن عمير بن الأسود توضح الأمر أكثر قال عمير: فحدثتنا أم حرام أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا. قالت أم حرام: قلت: يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: أنت فيهم. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم. فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: لا.
ثامناً: الوعد بأنَّ الدين يُجاوِز البحار، ويبلغُ ما بلغ الليل والنهار:
عن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله: "يظهر الدين حتى يجاوز البحار، وحتى تخاض البحار بالخيل في سبيل الله".
وعن تميم الداري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك اللهُ بيت مدر ولا وبر إلا وأدخله هذا الدين، يعز عزيزاً ويذل ذليلاً، عزاً يعز اللهُ به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر...".
الخاتمة في تحقق هذه الوعود:
لم ينتقل صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى حتى فتح الله عليه مكة وخيبر والبحرين وسائر جزيرة العرب وأرض اليمن بكاملها، وأخذ الجزية من مجوس هجر، ومن بعض أطراف الشام، وهاداه هرقل ملك الروم وصاحب مصر واسكندرية وهو المقوقس، وملوك عُمان والنجاشي ملك الحبشة الذي تملك بعد أصحمة.
"ثم لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم واختار اللهُ له ما عنده من الكرامة قام بالأمر بعده خليفته أبو بكر الصديق فلمّ شعث ما وهى بعد موته صلى الله عليه وسلم، وأخذ جزيرة العرب ومهدها، وبعث جيوش الإسلام إلى بلاد فارس صحبة خالد بن الوليد رضي اللهُ عنه، ففتحوا طرفاً منها، وقتلوا خلقاً من أهلها، وجيشاً آخر صحبة أبي عبيدة رضي الله عنه ومن اتبعه من الأمراء إلى أرض الشام، وثالثاً صحبة عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى أرض مصر.
ففتح الله للجيش الشامي في أيامه بصرى ودمشق ومخاليفهما من بلاد حوران وما والاها، وتوفاه الله عز وجل واختار له ما عنده من الكرامة، ومنّ على أهل الإسلام بأن ألهم الصديق أن يستخلف عمر الفاروق فقام بالأمر بعده قياماً تاماً...
وتمَّ في أيامه فتحُ البلاد الشامية بكمالها، وديار مصر إلى آخرها، وأكثر إقليم فارس، وكَسَرَ كسرى وأهانه غاية الهوان، وتقهقر إلى أقصى مملكته، وقصر قيصر وانتزع يده عن بلاد الشام، وانحدر إلى القسطنطينية، وأنفق أموالهما في سبيل الله كما أخبر بذلك ووعد به رسولُ الله.
ولما كانت خلافة عثمان امتدت الممالك الإسلامية إلى أقصى مشارق الأرض ومغاربها ففتحت بلاد المغرب إلى أقصى ما هنالك الأندلس وقبرص، وبلاد القيروان وبلاد سبتة مما يلي البحر المحيط، ومن ناحية المشرق إلى أقصى بلاد الصين، وقتل كسرى وباد ملكه بالكلية، وفتحت مدائن العراق وخراسان والأهواز، وقتلَ المسلمون من الترك مقتلةً عظيمة جداً، وخذل اللهُ ملكهم الأعظم خاقان، وجبي الخراج من المشارق والمغارب إليه".
كان هذا البيان للإمام ابن كثير، وقد ختم هذه الكلمة بقوله: "ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زُوي لي منها.
فها نحن ننقلب فيما وعدنا اللهُ ورسولُه، وصدق الله ورسوله، فنسأل اللهَ الإيمان به وبرسوله، والقيام بشكره على الوجه الذي يرضيه عنا".
نستخلصُ من هذا أنَّ وعودَ النبي صلى الله عليه وسلم قد أثارت المسلمين وشجعتهم على خوض غمار الفتوح في القارات.
ولم يدفعهم تطاولُ الزمن إلى اليأس والاستسلام، كما رأينا في فتح القسطنطينية الذي تأخر إلى القرن التاسع الهجري.
ومن الطريف الوقوف على كتاب: "تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط" للأمير شكيب أرسلان
والقضية المهمة اليوم هي أن نجمع وعود النبي صلى الله عليه وسلم التي لم تتحقق بعد وننشرها بين المسلمين، لتقوي عزائمهم، وتشد من أزرهم، وليعملوا على تحقيقها.
لقد صدق الله.
وصدق رسوله.
ونسأل الله أن يزيدنا إيماناً وتسليماً.
المصادر:
البداية والنهاية لابن كثير.
بين العقيدة والقيادة لمحمود شيت خطاب.
تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط لشكيب أرسلان.
تذكرة الحفاظ للذهبي.
الجامع للترمذي.
الحملة العربية البرية من بغداد إلى القسطنطينية مقال لعبد القادر التحافي منشور في مجلة المدفعية والصواريخ ببغداد، العدد (68) سنة 1984م.
الخصائص الكبرى للسيوطي.
دلائل النبوة لأبي نُعيم الأصبهاني.
السفارات النبوية لمحمود شيت خطاب.
سنن النسائي.
السيرة النبوية للذهبي (من تاريخ الإسلام)
صحيح البخاري مع "فتح الباري".
صحيح مسلم
فتح الباري بشرح البخاري لابن حجر العسقلاني.
القاموس المحيط للفيروزآبادي.
مسند أحمد بن حنبل.
مواقف حاسمة في تاريخ الإسلام لمحمد عبد الله عنان.
الوفا بأحوال المصطفى لابن الجوزي.
[1] قدم هذا البحث إلى ندوة في السيرة أقامتها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ببغداد سنة 1416هـ-1996م.

منقح من روابط الالوكة  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

هل للمرأة حور عين علي غرار الرجال ام مااااااااااااااااذا؟

  ماذا للنساء في الجنة هل لهن الحور العين؟  62 - للرجال حور العين ولكن ماذا للمرأة؟ عدد القراء :  السؤال : وفقا للقرآن عندما يدخل الرج...